ترامب واستخدام الرسوم الجمركية كأداة ردع جديدة داخل الناتو
مقدمة:
يعيد الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب رسم ملامح العلاقة بين الاقتصاد والأمن القومي، من خلال
توظيف الرسوم الجمركية كأداة استراتيجية للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء.
لم تعد هذه الرسوم وسيلة لحماية الصناعة الأمريكية فقط، بل تحولت في عهد ترامب إلى
أداة عقابية موجهة حتى للدول الصديقة، ضمن ما يعرف بسياسة "الاقتصاد
الثلاثي" التي تربط بين الأمن، والدبلوماسية، والاقتصاد.
الضغط على حلفاء الناتو: الرسوم بدل الدبلوماسية
في قمة الناتو
بلاهاي (يونيو 2025)، طالب ترامب برفع الإنفاق الدفاعي لجميع الدول الأعضاء إلى 5%
من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. وقد وجه إنذارًا صريحًا لإسبانيا،
الدولة الأقل إنفاقًا في الحلف بنسبة 1.24% فقط، مهددًا إياها بفرض رسوم جمركية
مضاعفة لتعويض النقص في مساهمتها.
وبالرغم من
التحفظات، أذعنت جميع الدول الأعضاء (32 دولة) للطلب الأمريكي. وتشير التقارير إلى
أن هذه الاستجابة جاءت تفاديًا لعواقب اقتصادية محتملة نتيجة الضغوط الجمركية
الأمريكية.
آلية التمويل المقترحة: هل تصل عائدات الرسوم إلى ميزانية الناتو؟
من الناحية
التقنية، يتم تحويل إيرادات الرسوم الجمركية الأمريكية إلى الصندوق العام للخزانة
الفيدرالية. وحتى يونيو 2025، بلغت هذه الإيرادات أكثر من 100 مليار دولار، وهي
تشكل نحو 5% من إجمالي الدخل القومي الأمريكي.
لكن لا يوجد
مسار مباشر أو تلقائي لتحويل هذه الأموال إلى ميزانية حلف الناتو. إذ يتطلب ذلك
تشريعًا من الكونغرس الأمريكي، يحدد نسبة التخصيص ضمن موازنة وزارة الدفاع. وعليه،
فإن ربط الرسوم المفروضة على الدول "المتخاذلة" بمساهمة مالية مباشرة في
الحلف يظل محل شك قانوني وسياسي.
العقوبات ضد روسيا والصين: تعريفة جمركية بأهداف جيوسياسية
لم يقتصر
استخدام الرسوم الجمركية على الحلفاء؛ إذ لجأ ترامب إلى فرض تعريفات على المنتجات
المرتبطة بروسيا، مهددًا بزيادة الرسوم إلى 100% على صادرات النفط والغاز الروسية
عبر أطراف ثالثة، ما لم تتوقف الحرب في أوكرانيا خلال 50 يومًا.
كما أعاد ترامب
استخدام المادة 232 من قانون توسيع التجارة لفرض رسوم على واردات الصلب
والألومنيوم من الصين، بحجة حماية الأمن القومي من الإغراق الصناعي والسرقة
التكنولوجية.
تداعيات استراتيجية ونهج غير مسبوق
الخطير في هذا
النهج، أنه يُمثّل نوعًا جديدًا من التدخل الاقتصادي في قرارات الدفاع الداخلي
للدول، ويضرب في عمق مفهوم "الشراكة" داخل الناتو. فبدلًا من الحوار
والتوافق، بات ترامب يوظف أدوات اقتصادية لإجبار الحلفاء على الالتزام بالمعايير
الأمريكية، في سابقة لم يشهدها الحلف من قبل.
ورغم أن هذا
الأسلوب قد يبدو فعالًا على المدى القصير، إلا أنه يهدد وحدة الحلف وتماسكه، خاصة
في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول الأوروبية.
ختامًا: ترامب وتوازن الربح والخسارة
يبدو أن ترامب
يعيد تعريف قواعد اللعبة السياسية داخل الناتو من خلال منظور رجل الأعمال، حيث
تتحول المساهمات الدفاعية إلى "صفقات"
تخضع لمنطق الربح والخسارة. لكن
هذا التحول قد يُضعف الثقة بين الحلفاء، ويعزز الانقسام داخل التحالف الأطلسي، في
وقت تشتد فيه الحاجة إلى التماسك والوحدة لمواجهة تحديات أمنية وجيوسياسية
متصاعدة.

تعليقات
إرسال تعليق